الفائز الأكبر في انتخابات تركيا
بقلم الكاتب/عبدالله الكبير
لم يتوقف متابعة الانتخابات التركية عند جمهور الناخبين من الشعب التركي، وإنما امتد الاهتمام بها إلى كل قارات العالم، وتابعها الملايين لحظة بلحظة، وكأنها مباراة نهائية في مسابقة دولية لكرة القدم، دوافع هذا الاهتمام عديدة، لعل أهمها تنامي الدور التركي في السياسة الدولية، والأدوار التي باتت تلعبها في بعض الملفات الإقليمية. ثمة سبب إضافي بالنسبة للدول الغربية هو وجود حزب بمرجعية إسلامية على مقعد القيادة في دولة تقع على التخوم، وطالما شكلت تهديدا جديا لها، إذ سبق لجيوشها أن توغلت في أوروبا حتى طرقت أبواب فيينا.
هذا الصعود الجديد للدولة التركية، وتمددها الناعم والخشن خارج حدودها، لا يناسب رغبات الغرب في دولة خاضعة تتسول على موائده شأنها شأن الدولة العربية، لذلك لم تكن الدول الغربية محايدة في هذه الانتخابات، فقبلها واثناءها قادت أكبر الصحف في ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا حملات ضد الرئيس أردوغان وحزبه. قال الصحفي البريطاني ديفيد هيرست أن العواصم الغربية على طول الطريق من برلين إلى واشنطون، تستعد لاستقبال خبر سقوط أردوغان بزجاجات الشمبانيا.
اختلفت حسابات وتوقعات ورغبات المتابعين للانتخابات التركية حسب المصلحة، حتى في بعض البلدان كان هناك انقسام شبه متكافئ، بين مؤيدين لفوز أردوغان بولاية جديدة، ومعارضين لاستمرار حزب العدالة والتنمية في السلطة، مع آمال كبيرة في ازاحته لدي معارضي سياساته، وفوز منافسه كلتشيدار أوغلو، ظنا منهم أن هذا التحول في السلطة سيحدث انقلابا في السياسة الخارجية التركية، ويغير الموازين في دول شهدت تدخلا حاسما سياسيا وعسكريا لتركيا، ضد أطراف سياسية صدمها هذا التدخل وحطم أحلامها.
وهو ظن خاطئ بالتأكيد لأن التوجهات الاستراتيجية للدولة التركية باتت محكومة بمصالح استراتيجية بالغة الاهمية لا يمكن التخلي عنها، مثل غاز شرق المتوسط، واستمرار الحياد في الحرب الأوكرانية، مع الاحتفاظ بنفس المستوى في العلاقة مع روسيا أوكرانيا.
إن الرابح الأكبر في هذه الانتخابات هو تركيا، بصرف النظر عن النتيجة، كما قال الرئيس أردوغان في خطاب ألقاه بأنقرة بعد ساعات من اكتمال التصويت، وهو محق تماما، لأن حالة التنافس بين الحزبين الكبيرين، وبين المرشحين الرئيسين لمنصب الرئاسة، دفعت البعض إلى توقع انزلاق التنافس إلى حرب أهلية، أو رفض أردوغان التخلي عن منصبه إذا خسر، وهي توقعات غير منطقية على الإطلاق، لأن الشعب التركي بكل أطيافه ونخبه، وقف صفا واحدا قبل سنوات، متصديا للانقلاب العسكري، وهو ما يعكس حالة متقدمة جدا من الوعي والنضج السياسي، ومن ثم يستحيل أن ينكص عن طريق الديمقراطية، التي حققت له نقلة غير مسبوقة في العصر الحديث، وصعدت بالدولة التركية إلى مصاف الدول المتقدمة، ويدرك أن عودة العسكر للسلطة هي عودة للتخلف، ستعيد تركيا إلى التبعية، والديون الخارجية، فضلا عن الممارسات القمعية ومصادرة الحريات.
التمسك بالديمقراطية بكل شروطها بما فيها قبول نتائج الانتخابات، ورفض أي تلاعب أو تزوير أو استخفاف بإرادة الشعب، سنراه من جديد في الجولة الثانية، حيث سيكون هناك فائز وخاسر، وسيحترم الجميع النتيجة، وسيقبل الطرف الخاسر بالهزيمة بكل روح رياضية، وحتما ستكون تركيا هي الفائز الأكبر، بهذا النجاح الكبير لتجربتها الديمقراطية.
(المقالات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي صاحبها)