حالة انقسام جديدة
بقلم الكاتب| عبدالله الكبير
الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع. أنتج التنافس الرياضي هذه النظرية، وتأكدت نجاعتها في كل المنافسات والصراعات ليس في الرياضة وحسب، بل في كل مناحي التدافع البشري، لذلك لم يركن عقيلة صالح رئيس مجلس النواب للدفاع في مواجهة تحديات الحراك الشعبي، وبادر بالهجوم مطلقا سهام اتهاماته نحو رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي وشقيقه سامي، بالوقوف خلف أحداث اقتحام مقر مجلس النواب وحرقه، وشمل هجومه حكوم الدبيبة، واتهمها بتأجيج الرأي العام ضد مجلسه، بتحميله مسؤولية الانسداد السياسي وتردي الخدمات.
نفى سامي المنفي التهمة واعتبرها سياسية وليست قانونية، متوعدا عقيلة بالملاحقة القانونية، وساندته قبيلة المنفه، مستنكرة الزج بالمجلس الرئاسي ورئيسه في الصراع السياسي.
توجيه الاتهام للمنفي كان ضربة استباقية، لاجهاض مبادرة أعلن الرئاسي عن الاستعداد لاطلاقها لحل الانسداد السياسي، فالمبادرة حتى إذا لم يكتب لها النجاح، ورفضتها بعض الأطراف، فإن الدعوات التي وجهت للرئاسي، مطالبة بتدخله، وتفعيل صلاحياته، لإنهاء مجلسي النواب والدولة لم تتوقف، مع احتمال أن تساند أمريكا والدول الأوربية أي تحرك للرئاسي في هذا الاتجاه، وهذا سيدفع المجلس الرئاسي للواجهة ليتولى قيادة المرحلة، بينما سيتراجع دور عقيلة ومجلسه، وبطبيعة الحال مجلس الدولة أيضا، لذلك سارع عقيلة بشن هجوم مضاد علي الرئاسي في شخص رئيسه، وعلى حكومة الدبيبة التي فشل في الاطاحة بها، لتمكين حكومة باشاغا، رغم كل الأوراق التي لعب بها.
تهم عقيلة للمنفي غير منطقية وغير قابلة للتصديق، لأن شخصية المنفي وميله للحياد وعدم التورط في الصراع، تتنافى مع التآمر ضد البرلمان، والمجلس الرئاسي ظل بمنأى عن التفاعل مع الصراع السياسي، وهذا يبعد أي شبهات في وقوفه وراء استهداف مقر مجلس النواب.
التهمة كانت ستكون مقبولة لو أن للمنفي موقف مناهض لمجلس النواب، يعبر عنه في تصريحاته أو مواقفه، وقبل هذا الاستهداف بتحريك المظاهرات للنيل منه، كان من المنطقي أن يسعى أولا إلى دعم التوجه الشعبي والقبلي في برقة، المطالب بإجراء الانتخابات التشريعية، لكن المجلس الرئاسي ورئيسه لم يكن له أي موقف مناوئ لمجلسي النواب والدولة، وظل بعيدا عن مضمار الصراع، حتى أنه لم يساند الدبيبة في مواجهة عقيلة وحكومته الموازية،رغم أنهما وصلا للسلطة في عقد واحد.
استهداف مجلس النواب ليس بحاجة لأي مؤمراة، فالاحتقان الشعبي بلغ مداه الأقصى، والكل بات يدرك أنه السبب الرئيس في عرقلة الحلول السياسية، وأن إسقاطه هو الخطوة الأهم في طريق الاصلاح، ومعالجة الانسداد السياس، فضلا عن الفساد الذي ينخر كل جنباته، وكل المبررات التي قاموا بتسويقها عن نهاية ولاية الحكومة لم تكن مقنعة، لأن مجلس النواب انتهت ولايته منذ سنوات، ومع ذلك يرفض التنحي ومنح الشعب فرصة انتخاب برلمان جديد، سيكون بمثابة مجلس تأسيسي بالنظر إلى حجم الازمات التي سيرثها أي مجلس تشريعي.
من النتائج غير المحسوبة لهذا التصعيد تجاه رئيس المجلس الرئاسي هو الزج بالمكون القبلي في الشرق في الصراع السياسي، لينقسم بين مؤيد ورافض لهذا التصعيد من عقيلة تجاه المنفي، بدأ برفض قبيلة المنفه لهذا الاتهام، ومساندتها لرئيس المجلس الرئاسي وشقيقه، فيما انعقد تجمع موازي يواصل تأييده لرئيس مجلس النواب.
وهنا تجدر الإشارة إلى استمرار حالة التوازن في الصراع، فمن بين تداعيات تكليف باشاغا برئاسة حكومة جديدة، انقسام جبهة الغرب الليبي السياسية والعسكرية، بين مؤيد ورافض لهذا التكليف، ولازالت كفة الرفض هي الراجحة، وهاهو انقسام جديد يبرز في جبهة الشرق، ورغم أن القبائل لن تغلب في احتواء الصراع، وخفض حدته إلى أقل مستوى، لكنه لن يزول تماما، وقد يتصاعد إذا قرر المجلس الرئاسي تحت وطأة الضغوط المسلطة عليه، أن يأخذ بزمام المبادرة، وينهض بمسؤولية معالجة الانسداد السياسي، بقرارات جريئة، ومواعيد محددة للانتخابات.
(المقالات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)