ياوهمي

ياوهمي

يونيو 09, 2022 - 12:41

بقلم الكاتب/عبدالله الكبير

عبدالله الكبير

تعليقا على حدث ما، أو تعبيرا عن واقع الحال، يبتكر العقل الجمعي مفردات وعبارات مختزلة بشكل مثير للاعجاب، تغني عن عشرات السطور وعناء الشرح، في بعضها تحايل للافلات من تهمة تصل عقوبتها إلى القتل، وفي بعضها وصف مدهش لما يتلبس الشخصيات من أوهام لا يملون من التلذذ داخل أغلالها، وفي بعضها دلالة على تشعب الأحداث والتطورات وتعقيداتها. 

حين احتدام الصراع المسلح بين الأحلاف الطارئة، وعمت الفوضى، واختلط حابل الوطنية بنابل الصراع على السلطة والنفوذ ومنابع الثروة، أمست الهوية الفرعية وحدها كافية للإدانة ووضع المرء على حافة الموت، وفي مواجهة هذه التهمة المتربصة بين طيات السؤال ، لجأ من قادهم الحظ العاثر إلى كمائن المجموعات المسلحة بالطرقات إلى التزام موقف الحياد الإيجابي، تجنبا للتورط، بالدفع بعبارة " ربي ينصر الحق"، مؤملين أن تمنحهم هذه الإجابة النجاة، فكل الخصوم يرون أنهم على حق فيما خصومهم في صف الباطل، ومن ثم سيكون التأويل المرجح هو قناعة المسلحين بأن الضحية يدعمهم، أو على أقل تقدير ليس مؤيدا للخصم أو العدو. فمجرد انتماؤك لنفس هوية الخصم كاف لمعاقبتك. 

في حالة مشابهة من الحرب الأهلية اللبنانية، راجت نكتة تقول أن مواطنا أوقفه مسلحون في بوابة ليلا، ولم يتعرف على هويتهم بسبب العتمة، وعلى بعد مسافة قصيرة وقف مسلحون آخرون في بوابة موازية. سأل أحد المسلحين المواطن عن اسمه فأجاب: جورج محمد. وعلي الفور انطلقت إلى صدره رصاصتين.

خلال الأشهر الأخيرة بدأ مصطلح الوهمي في الانتشار عبر وسائل التواصل، وصفا لحالة دقيقة تتلبس الكثير من الشخصيات السياسية والعسكرية شرقا وغربا، إذ تعبر مواقفهم وتصريحاتهم عن شخصيات واثقة من احكام قبضتها على السلطة، يتولون مهام الرياسة والقيادة، يعقدون الاجتماعات، وينثرون الوعود للشعب في شتى الشؤون، بينما الحقيقة الواضحة كالشمس في عز الظهيرة، هي خلوهم من أي سلطة حقيقية، فكل المؤسسات والشخصيات يربطها خيط رفيع بالأمم المتحدة، الصانعة لكل السلطات منذ اتفاق الصخيرات، وإذا انقطع هذا الخيط، سقط الاعتراف الدول. 

 على جهة الغرب لا تسيطر الحكومة فعليا إلا على القرار الإداري والمالي، فنفوذ المجموعات المسلحة يفوق سلطة الحكومة، ونفوذ تركيا وبقية الدول المنخرطة في الصراع يفوق سلطة هذه المجموعات، وكل هياكل السلطات المحلية. 

ولا يختلف الأمر في الشرق والجنوب، فقوات فاغنر المسيطرة على أهم القواعد العسكرية تمنح روسيا النفوذ الأكبر، بينما تستمد المؤسسة النيابية فاعليتها في الصراع من الدول الداعمة مصر والإمارات وفرنسا، ومن ثم بات الموقف والقرار رهينة لمواقف الدول ومصالحها، فلا قرار وطني من دون تأثير واضح للخارج، ورغم هذه الحقائق الساطعة، تدلي الشخصيات المتصدرة للمشهد بالتصريحات، وترسل التهاني لزعماء الدول في مناسباتهم المختلفة، وتعلن عن مواقفها إزاء التطورات المحلية والدولية، وتخطب ود الدول الكبرى سعيا لنيل رضاها، حتى أصبح اللقاء العابر مع سفير إحدى الدول مناسبة تستحق النشر على أوسع نطاق، ويتحول الحديث مع موظف في إحدى دوائر وزارة الخارجية في دولة كبرى، إلى حوار ونقاش مع كبار المسؤولين، امعانا في تسويق الوهم.

 وهم معترف به دوليا هنا، ووهم مواز غير معترف به هناك، دفع العقل الجمعي إلى إطلاق صفة الوهمي على الشخصيات الهزيلة، التي لم تدرك بعد أن الناس تعي جيدا حالة الوهم السائدة في البلاد هذه السنوات، ولا تتردد في التعليق على تصريحاتها وتغريداتها بكلمة واحدة. يا وهمي.

(المقالات المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي كاتبها)